الاثنين، 4 نوفمبر 2013

أجدادنا و فاكهة الموز !!

أجدادنا و فاكهة الموز !!

 


لم يكن الموز يشكّل لنا قبل ستين أو سبعين عاما همّا  أو أهمية !! لأنه (ليس من أرض قومي )! وغير معروف على المستوى الشعبي – أعني (الموز) ولم تكن بلادنا كلها أو معظمها تستورد – حينذاك – من الخارج سوى الأرز (السيامي)والبن اليمني والبرازيلي والسكر الأحمر غير المكرر لرخص ثمنه!! وقماش كانوا يسمونه في بعض المناطق (الساحلي ) أو السواحلي ..أبيض ويميل إلى السمرة قوي ومتين ..يلبسه المرء مدة طويلة ..ويصبغ لاستعمال النساء (بالزاج ) وقشور الرمان ، ليكون أسود ,والمصبوغ بالأحمر لا يلبسه غير المحظوظات من (الغنادير ) في ليلة العمر..ليلة الزفاف .


وعندما بدأ اخواننا من بلاد الشام  يجلبون إلى بلادنا هم ومن يتاجر مع بلاد الشام الكثير من المستوردات التي كان معظمها من الكماليات من بداية (السبعينات ) الهجرية بعد هبوب نسمة الانفتاح الاستيرادي!!  جاء التفاح والبرتقال .. ومعهما السيد الكبير (الموز) !  فكانت الحيرة كبيرة عند الكثيرين !


فالبرتقال له بعض الوجود في الواحات والمدن بشكل نادر .. وذكر لي أحد كبار السن أنّه  في عام (1370هـ) أصيب أخا له بمرض (التيفوئيد ) يرحمه الله .. فعافت نفسه الطعام .. وجلس أهله يبحثون له عن بضع حبات من (البرتقال ) عند بعض أصحاب البساتين .. فاعتذر صاحب الشجرة بأنها لم تحمل في ذلك العام .. وكان ثمرها يتدلى على الشارع فيفضح شحّه .. لكنها نادرة .. أو قليلة ويريد أن يستأثر بها وحده أو يهديها لذوي الجاه !


وكان الناس يعرفون طريقة (تقشيره) . وكانوا يأكلون التفاح بقشره .. أما (الموز) فكانت مشكلة الكثير من الناس معه عويصة ومستعصية !  فقد جلس الشعبيون زمنا طويلا في حيرة !!  هل يأكلونه بقشره ؟!  على ما في هذا القشر من خشونة ومرارة ؟! أم أنّ هناك طريقة (تكنولوجية ) حديثة تمكِنهم -عندما يحصلون عليه صدفة-  من أكله بعد تجريده من غمده أو قشره – لا فرق - ؟!   وبقي البعض يتحاشى مد  يده في العزائم  والولائم إلى الموز خوفا من (الفضيحة )!! والوقوع في حرج أمام أنظار المدعوّين !!


وكان البعض يدسه في فمه على استحياء .. وبخوف وحذر وهو يراقب أعين الناس .. فتصدمه قسوة القشر وخشونتها فيلفظه بهدوء .. ويعود إلى التمر حبيبنا القديم المتجدد وهو فاكهة بلادنا وغذاؤها الكبير والشامل واللذيذ .


لكن الناس ما لبثوا أن تعلموا (ومن له عينان ورأس فليفعل ما يفعله الناس )!! كما يقول المثل الشعبي .. وصاروا يرقبون ويقلّدون أكلة الموز .. فاكتشفوا (السر ) !!



وقصة حداثة معرفتنا بالموز لن تخجلنا .. ولن تؤثر في إيجابيات تاريخنا ..لأنها حقيقة تستحق التأمل والعودة بالذاكرة  إلى الماضي ببدائيته وبساطته لكي يدرك الأبناء بأن الآباء لم يولدوا وفي أفواههم ملاعق من ذهب ولا حتى من خشب !  



بقلم:

عبدالله ناصر العمراني (أبوميّاسة)

1 محرم 1435هــ

الجمعة، 1 نوفمبر 2013

راحوا الطيبين



راحوا الطيبين

 


في زمن الآباء والأجداد كان المرء يوصف بالرجولة متى ما تحلّى بالشجاعة والكرم وصدق القول والأخلاق الحميدة وحسن المعاملة والمعاشرة مما يجعله بارزا  بين افراد قومه ..وكان الآباء حريصين على تنشئة ابنائهم على ذلك ..و يتخذون زيدا أو عمرا مثالا يحتذى به .. حيث كانوا يرددون على اسماع ابنائهم (اتمنى ان تكون كفلان في شجاعته وفلان في كرمه .. وهكذا ).


وكانت ديمومة التقدير في المجالس والملتقيات لهؤلاء ..وهو ما انعكس اثره حتى على الموروث من التراث والاشعار والنثر والمؤلفات .. وكثيرا ما نقرأ كلمة مرددة في تلك الكتب ان فلانا كان (رجلا ) شجاعا ..او كريما ..أو حسن الخلق .


هذا ما كان عليه حال الماضي ولذا بقيت تلك الاسماء متناقلة حتى الآن .. يضرب ببعضها الامثال ككرم حاتم الطائي ..وشجاعة  عنترة . .وغيرها .


أما الآن فقد انقلبت المفاهيم الإنسانية الصادقة إلى العكس تماما ..فبعد أن كان تقدير بني البشر (رجالا أو نساء) يبرز من خلال حسن تعاملهم مع الآخرين ..وحبهم للخير ..وكرمهم دونما انتظار لأي مقابل ..وحرصهم على التواجد وقت الشدّة ..ووفائهم واخلاصهم لأي عمل يقومون به ..ومحاولة مواجهة السيئات بالحسنات ..والبحث عن كل ما يجمع ولا يفرق ..وتقبل أخطاء الآخرين ومحاولة اصلاحهم ..والوقوف بجانب الضعيف والمحتاج والمظلوم ..ومراعاة مشاعر الآخرين وتقديمهم على النفس ..أصبح من يفعلوا ذلك الآن يطلق عليهم لقب (راحوا الطيبين)..ليس من واقع ما تعنيه هذه الكلمة من معان صادقة ..ولكن من باب الاستهجان باعتبارهم لا يسايرون واقع العصر الحالي القائم على المنفعة المتبادلة لا غير ..


فحتى تكون رجلا في نظر أمثال هؤلاء  لابد أن تكون منافقا وتقول خلاف الواقع ..وأن تجامل كثيرا على حساب الحقيقة وحتى لو أدى بك الأمر إلى الكذب. .فالمهم ارضاء هؤلاء بأية صورة.. ولا  بد أن تكون مع طرف دون الآخر حتى لو كان الأخير هو صاحب الحق ..


والأمرّ من ذلك أن كلمة ((الرجولة)) أصبحت سهلة الإيذاء , فأي تصرف حتى لوكنت على حق فيه ولكنه لا يعجب هؤلاء ..فأنت لست برجل !!.


وأصبح اطلاق الكلمات الغير لائقة  سهلا حتى وسط المجالس  والملتقيات والاجتماعات متناسين –أمثال هؤلاء – أّنّ الخالق سبحانه وتعالى قد كرم( الأنسان) عند خلقه ..وله مكانته.. ومهما  كانت ظروف العصر –كعصرنا المادي هذا القائم على المصالح – يبقى الإنسان ذو قيمة خاصة ويبقى الفيصل دائما هو التحلية بالأخلاق والصفات التي جاءت في كتاب الله الكريم ..وخلاف ذلك هو مالا قيمة له .


ولا ننسى فــ (( الرجال مواقف))!!

 

بقلم :

عبدالله ناصر العمراني (أبومياسة)

27 ذو الحجة 1434هــ

 

الاثنين، 28 أكتوبر 2013

الأستاذ داوود



 الأستاذ داوود

 

 

في شتاء قارس وصقيع متجمد ما زلت أتذكر الاستاذ داوود وهو يضرب بمسطرة ذات نهاية حديدية على ظهر أصابع اليد ولا تسكن  هذه النزعة في نفسه حتى يقطر الدم منها , وآخر يستجمع قواه في يده الغليظة ليصفع بها صفحة الوجه حتى يستدير , وثالثا يحمل الكرسي الخشبي ذا القوائم الحديدية ليرمي به الطالب دون رحمة ..أما مدير المدرسة فلا يمر يومان إلا ويستبدل خيزرانه المهيبة (العرق) بأخرى غيرها.


ولا يمكن بحال من الاحوال أن أنسى أو أتناسى  عدد من المدرسين في المرحلتين الإبتدائية والمتوسطة ,والذين كانوا يبتدعون أساليب ساخطة في ممارسات الضرب وبطرق حادة ومنفرة  تعكس نفسية  المدرس ورغبته في التنفيس عن معاناة شخصية أو مشاكل أسرية, وقد تكون نوعا من التسلط , والرغبة في تعريض الآخرين لنفس ما واجهه في ايام دراسته , وفي أحايين ينظر اليها بأنها اجتهادات (خاطئة)  للترويض والمحاسبة على تصرفات متوقعه من طالب مازال في سنواته الدراسية الأولى .


أقول هذا الكلام عن سنوات مضت , واليوم تؤكد وزارة التربية والتعليم على منع الضرب أو حمل العصا منعا باتا لما للعقوبة البدنية من آثار ضارة على نفسية الطالب وهي ذات مردود سيء يعوق عملية التربية والتعليم ..إلا أنه ورغم تواصل التعاميم التي تصدر عن وزارة التربية والتعليم مازال عدد من المدرسين والمدرسات يتلذذون باستخدام الضرب!!


هذه الفئة من المعلمين والمعلمات يقابلون تلاميذهم الصغار بوجوه عابسة متجهمة ,يتوهمون ان ذلك يفرض الإحترام ويزرع الخوف وسيظلون يجهلون أن المناهج التربوية قد تغيرت وأن علاقة الطالب بمعلمه تطورت وأن الوجه المتجهم أصبح يثير الضحك وأن الصرامة في المعاملة لا تؤدي إلى الطاعة وحسن السلوك إنها غالبا ما تؤدي إلى الإنحراف والإنفجار.

يقول ابن خلدون في مقدمته (من كان مرباه بالعسف والقهر من المتعلمين سطا به القهر وضيق عليه النفس في انبساطها وذهب بنشاطها ودعاه إلى الكسل وحمله على الكذب والخبث وعلمه المكر والخديعه وصارت له عادة وخلقا وفسدت معاني الانسانية التي له من حيث الإجتماع والتمدن , وكسلت نفسه عن اكتساب الفضائل والخلق الجميل فانقبضت عن غايتها ومدى انسانيتها : فينبغي للمعلم في متعلمه والوالد في ولده أن لا يستبد عليهم في التأديب).


أيها المدرسون ,أيتها المدرسات عالجوا هذا الإعتلال  بالإبتسامة ,توقفوا عن الضرب واتركوا (التكشير) , جربوا أن تبتسموا لطلابكم وستخلقون في نفوسهم توجهات مرغوبة وايجابيات كثيرة لعل أهمها محبتكم .

 



بقلم : عبدالله ناصر العمراني   أبومياسة

 ذو الحجة 1434هــ

الجمعة، 18 أكتوبر 2013

ماذا حدث للعيد ؟؟



 ماذا حدث للعيد ؟؟






عادة نمارسها... نلقي باللوم على كل شيء إلا أنفسنا , حتى العيد اتهمناه بالتغيير وهو لم يتغير!!  بل دوما نحن المتغيرون. غيّرنا الكثير من العادات الجميلة وبالتالي تغيرت معها الأحاسيس بتلك الأشياء الجميلة ..

 

عندما كنّا أطفالا صغارا نتباشر عندما يعلن المذيع في التلفزيون أن يوم غد هو أول أيام العيد ...نتراكض فرحين والسعادة تغمرنا من كل جانب...نخرج ملابس العيد الجديدة ...حتى الحذاء الجديد ولا ننسى أن نضع الشرّاب بداخله..


ننام ونحن نحلم بالغد.. بيوم العيد ..ونصحو باكرا نشيطين وكأننا موعد مع أحد... ونلبس الجديد ليوم العيد ..ونذهب للصلاة بمسجد العيد ..وعندما تنتهي الصلاة نتجه من فورنا إلى بيت الجد والجدة ...ففي منزلهما يجتمع الرجال والنساء ..الأعمام والعمات ..والأخوال والخالات..ونهرول نتسابق على الاعمام والعمات نسلم عليهم حتى نظفر بالعيدية ...ما أجمل تلك الريالات الجديدة مختلطة بحبات الحلاوة ...ونجمع العيدية ونخرج فرحين لتلك الدكاكين القريبة نشتري ونلعب ونعبث ونكون هكذا حتى صلاة المغرب ...ثم يكون بعد ذلك فراقنا كلا لمنزله حيث أن أجسامنا أنهكها  التعب فنخلع ملابس العيد بعد إلحاح من الوالدة ...ونضع رؤوسنا على مخداتنا يداعبنا النوم وأحلام بيوم جديد وعيد مديد..


 


كانت النفوس في السابق بيضاء يتلاشى منها العتب بمجرد أن  ترى الابتسامات... وتجاذب الحوارات الجميلة ضحكات من القلب ...


الآن يتقابل الأهل والأرحام ونفوسهم تحمل الكثير وتتحامل على الكثير ...لا ترى سوى ابتسامات صفراء ....والغريب أن العيد قلب ليصبح غداء أو عشاء ..ويأتي الناس وهم سهارى (مواصلون) فقط  كما يقال يأكلون تلك اللقمة ثم يتسابقون إلى منازلهم متجهين فورا إلى غرف نومهم فهم يشتكون من أن مواعيد نومهم لم تتعدل بعد....ما هذا العيد؟؟


 


كانت الجدة عندما تسمع المذيع قاطعا صلاة التراويح ليعلن أن غدا هو أول أيام العيد وأن شهر رمضان لم يكتمل ثلاثين يوما ..تكفكف دموعها وترفع يديها باكية لا أسمع ما كانت تقول ...لا أفهم سوى أنها تدعو الله أن يتقبل منها صيام شهر رمضان وأن يعيده عليها أعواما عديده... كنا أطفالا نفرح بالعيد فلماذا لا تفرح الجدة بالعيد؟


كان أمرا غريبا جدا بالنسبة الينا ..والجدة شديدة لا ترضى ابدا أن نسألها لماذا تبكين يا جدتي ؟


فهي لا تحبّذ أن ترى باكية .


ومرت السنين وفهمنا هذا الإحساس بالحزن وأصبحنا نداري الدمع وندعو الله أن يمد بأعمارنا لنصوم رمضانا آخر وندعو الله أن لا يكون نصيبنا من تقصيرنا الجوع والعطش .


 


لقد اصبحنا كبارا لا تفرحنا الريالات الجديدة ولا حلوى (ماكنتوش) ولا حلوى (التوفي)!!

 



رحمك الله يا جدتي وأسكنك فسيح جناته.




بقلم: عبدالله ناصر العمراني (أبومياسة)


7  شوال 1434هـــ